أحدث الاخبار

خدعة ترامب لغزة: قراءة في ضوء التجربة التاريخية

ااا
0

كنا / عارف محمد


تطرح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما يسمى بـ “خطة غزة” في توقيت بالغ الحساسية، بعد عامين من حرب إسرائيلية دامية لم تفض إلى نتائج حاسمة، وبعد أن عجزت القوة العسكرية عن فرض واقع جديد على المقاومة الفلسطينية.
في الظاهر، تقدم الخطة نفسها كمسار نحو الاستقرار، إعادة الإعمار، وتهيئة ظروف سياسية جديدة، لكن التدقيق في بنودها يكشف أنها ليست أكثر من محاولة ساذجة لإنقاذ إسرائيل من مأزقها، وإعادة إنتاج نماذج تفاوضية سابقة انتهت جميعها إلى خديعة للفلسطينيين.
جوهر الخطة  
تنازلات فلسطينية فورية مقابل وعود مؤجلة!
الخطة تلزم الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، بنزع السلاح فورا، بينما تضع جميع الالتزامات تجاه الفلسطينيين في خانة الوعود المستقبلية:
إعمار غزة مشروط بترتيبات أمنية وسياسية.
الدولة الفلسطينية تذكر بعبارات فضفاضة بلا ضمانات والتزام.
عدم الضم وعدم الطرد تأتي كتطمينات سيتم التراجع عنها في أي لحظة.
بهذا الترتيب، يحصل الطرف الإسرائيلي على مكاسبه الكبرى فورا، بينما يترك الفلسطينيون بلا أدوات ضغط، ليصبحوا رهائن “حسن نية” إسرائيل!! والولايات المتحدة!!
سلوك إسرائيل كاشف للنية
الأحداث المرافقة للمفاوضات نفسها تكفي لإسقاط الثقة بالعملية برمّتها:
اعتداء إسرائيل بدعم امريكي على إيران خلال المفاوضات.
اغتيال قادة من حركة حماس أثناء محادثات الدوحة.
إذا كانت إسرائيل مستعدة لخرق الأعراف الدبلوماسية والدولية بهذا الشكل في قلب المفاوضات، فكيف يتوقع منها احترام بنود خطة بعد نزع سلاح المقاومة؟
خديعة أوسلو
تعيد خطة ترامب هذه، إلى الأذهان مسار اتفاقيات أوسلو (1993):
وعود بدولة فلسطينية.
إعمار وتنمية مقابل تنازلات فورية.
من دون آليات إلزامية لإسرائيل.
النتيجة كانت سلطة فلسطينية مدجنة وعميلة، مع استمرار الاستيطان في الضفة، كما جرى القضاء على أي إمكانية لسيادة حقيقية.
اليوم، يعاد السيناريو ذاته:
هيئة تكنوقراطية لإدارة غزة تحت إشراف خارجي.
وعود اقتصادية مغرية.
لكن بلا اعتراف بالحقوق الجوهرية للفلسطينيين.
 من يربح ومن يخسر؟
إسرائيل: تكسب مباشرة، تحييد غزة عسكريا، واستعادة اسراها، وفرض صيغة إدارة مدنية غير معادية، بلا ثمن ولا أي التزام حقيقي.
الولايات المتحدة: تظهر كقوة قادرة على “صناعة الحلول”، ويستثمر ترامب شخصيا هذا الدور في الداخل الأميركي.
الجهات الدولية والإقليمية: تنخرط في مشاريع إعادة الإعمار، بما يفتح باب المصالح الاقتصادية والسياسية.
اما الخاسر الأكبر: فهو الشعب الفلسطيني، الذي يفقد سلاحه ونقطة قوته وحقه في العيش، ويترك مع وعود مؤجلة لن تتحقق أبدا.
المخاطر الاستراتيجية
إدامة الصراع: بإقصاء الفصائل الفاعلة وتجاهل مطالب الشعب، ستتحول الخطة إلى مصدر احتقان جديد، لا إلى حل.
تهجير مقنّع: رغم نصوص الخطة التي تنفي الإكراه، فإن بيئة الضغط الأمني والسياسي والاقتصادي قد تدفع آلاف الفلسطينيين إلى الرحيل.
شرعنة الاحتلال: غياب آليات المساءلة الدولية يجعل من إسرائيل الطرف الوحيد القادر على تفسير وتعديل التنفيذ كما تشاء.
اخيرا
خطة ترامب ليست مشروع سلام ولا حتى خطة إعادة إعمار حقيقية، بل خدعة سياسية ساذجة تهدف إلى إنقاذ إسرائيل من مأزق غزة، وتصفية القوة السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية.
التجارب السابقة من أوسلو حتى اليوم تؤكد أن نهاية هذه الخطط معروفة:
 الفلسطينيون يتنازلون فورا.
إسرائيل تحصد المكاسب.
تبقى الوعود للفلسطينيين حبرا على ورق.
باختصار، من يقرأ بنود الخطة في ضوء التاريخ يدرك أنها ليست “فرصة تاريخية”، بل فخ سياسي جديد يكرّس ميزان القوة لصالح إسرائيل تحت غطاء أميركي.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

 


 


 


#buttons=(Accept !) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. اعرف المزيد
Accept !