كنا /
محمد خضير:
عرّافُ السرد، وناسجُ الطيف البصريّ
في كل مدينةٍ، كاتبٌ عابر.
وفي البصرة… ولدَ كاتبٌ لا يُشبه أحدًا.
محمد خضير، ليس قاصًا وحسب،
بل هو الكلمة حين تكتسب ظلًّا،
والظلّ حين يكتسب صوتًا،
والصوتُ حين يتحوّل إلى ذاكرة تمشي على قدمَي قصة.
حين كتبَ “المملكة السوداء”،
لم يكن يدوّن سردًا،
بل يخطّ خريطةً داخليةً للروح العراقية،
ويُصغي إلى الطين وهو يتكلم بلسان الحرب والطفولة.
وفي “رؤيا خليقته”،
لم يكن يُفسّر النصوص،
بل يُناجي الماورائيات من شرفة الناقد المتصوّف،
ويكتب بمدادٍ فيه من الفلسفة قدرُ ما فيه من الشعر.
أما “الحياة في المدينة”،
فليست يوميات،
بل تمثيلاتٌ حضارية لمدينةٍ تنظر إلى نفسها في مرآة الحداثة،
وتخاف أن تنسى ملامحها.
ومَن يقرأ “بصرياثا”،
لا يقرأ كتابًا،
بل يُقيم في أسطورة.
في مدينةٍ من ورقٍ وعطرٍ وضوء،
في ذاكرةٍ تتنفس، وتبكي، وتُسمّي الحنين باسمه الكامل.
محمد خضير…
هو القاص الذي لا يُفكَّر عنه، بل يُفكَّر معه.
نصوصه تمشي على حبلٍ مشدودٍ بين الواقعية والتجريد،
بين صدمة الحدث، ونشوة اللغة،
بين عراقٍ يُنزف، وسردٍ يُنزف معه.
هو الذي لم يكتب القصة بوصفها فنًّا أدبيًا،
بل بوصفها طقسًا من طقوس الإدراك،
وصلاةً بلا صوت، تؤدى أمام مرآة الذات.
هو الأستاذ الذي تأنق في التواضع،
والذي لم يخلع معطف الإنسانية حتى وهو يكتب عن العنف، والموت، واللاجدوى.
في حضرته،
تخجلُ القصص السريعة،
وتتوارى الكلمات الزائفة،
لأن الرجل يُدخل اللغة إلى المدرسة،
ويخرج بها إلى الشارع،
ويعود بها إلى القلب… دون أن تفقد كرامتها.
محمد خضير…
ليس قاصًا فقط،
بل هو القصة حين تمشي بهدوءٍ نحو الخلود.
علي العلي
البصرة
٨ / ٨ / ٢٠٢٥
