كنا/ البروفسور د.ضياء واحد المهندس
يعود إلى الواجهة مجددًا مشروع قانون "حماية المستثمر السعودي"، الذي تسعى الحكومة العراقية لتمريره عبر مجلس النواب، بعد أن تم تجميده سابقًا في عهد حكومة مصطفى الكاظمي عام 2021 إثر موجة احتجاجات شعبية رافضة له. ويطرح القانون تساؤلات مقلقة عن مستقبل السيادة الوطنية، والهوية الديموغرافية، والاقتصاد العراقي، وسط شبهات تطبيع غير مباشر و"توطين ناعم" قد يفتح الباب لتغييرات جذرية في التوازنات السكانية والجيوبوليتيكية، خصوصًا في المناطق الغربية والجنوبية من العراق.
أولاً: تفاصيل مشروع القانون المطروح
يتضمن مشروع القانون بنودًا تثير علامات استفهام كبرى:
منح ملايين الدونمات من الأراضي العراقية في المناطق الصحراوية الغربية والجنوبية (الأنبار، المثنى، النجف، كربلاء) للمستثمرين السعوديين لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد.
ملكية كاملة للأرباح للمستثمر، دون نسبة واضحة أو آلية عادلة للعائدات إلى الدولة العراقية.
إعفاءات ضريبية وجمركية واسعة على كل المواد المستوردة والمستخدمة في المشاريع.
حق جلب العمالة الأجنبية، مع إمكانية إسكانها وتوطينها مع عوائلهم في مجمعات ومدن مغلقة.
إمكانية الحصول على الجنسية العراقية بعد سنوات من الإقامة، استنادًا إلى مواد دستورية عامة وغير محصنة ضد التلاعب.
ثانيًا: الفرص الاقتصادية الحقيقية أم وهم استثماري؟
في الظاهر، تسوّق الحكومة المشروع كفرصة لتنمية المناطق المهملة وخلق فرص عمل، لكن الواقع يقول غير ذلك:
الإنتاج الزراعي في صحراء العراق يتطلب كميات هائلة من المياه الجوفية، ما يهدد الاحتياطي المائي الوطني في ظل أزمة مياه متفاقمة.
تحتوي هذه المناطق على ثروات طبيعية استراتيجية، من بينها:
أكثر من 2 مليار طن من الفوسفات في منطقة عكاشات (الأنبار) – الثالثة عالميًا من حيث الاحتياطي.
احتياطيات ضخمة من النفط غير المستغل في جنوب الأنبار وغرب المثنى.
معادن مثل الذهب واليورانيوم والكبريت.
عدم إشراك العراق في الإدارة أو الرقابة الفعلية على الموارد، وعدم وجود أي ضمانات لاستعادة الأراضي لاحقًا.
ثالثًا: البُعد الديموغرافي: خطر الاستيطان المقنّع
وفق مسودة القانون والتسريبات البرلمانية، سيُسمح بدخول عشرات الآلاف من العمال الأجانب مع عوائلهم، ويُتوقّع أن يشكّل العمال الفلسطينيون واليمنيون النسبة الأكبر، نظرًا للعلاقات السعودية معهم ولخفض التكاليف.
تشير تقارير إلى احتمال إنشاء مدن مغلقة أو شبه مستقلة لإسكان هؤلاء العاملين، تضم مدارس وأسواق وعيادات ومستشفيات.
بعد مرور سنوات من الإقامة، سيكون هؤلاء مؤهلين للحصول على الجنسية العراقية بموجب المادة 18 من الدستور العراقي التي تتيح اكتساب الجنسية عبر "الإقامة الطويلة".
هذا يشكّل تهديدًا ديموغرافيًا حقيقيًا في مناطق ذات غالبية سنية وعشائرية متماسكة، وربما يكون مقدمة لـ"تذويب الهوية المحلية".
رابعًا: السياق السياسي والجغرافي: هل هو تطبيع مقنّع؟
المشروع يندرج ضمن ما يُعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الأخضر" الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويتضمن امتدادات جغرافية استراتيجية نحو العراق.
بعض المراقبين يربطون المشروع بـ سياسات التطبيع غير المعلنة، حيث إن جلب عمالة فلسطينية وتوطينها في العراق خطوة سياسية بامتياز، تهدف لتفريغ الضفة الغربية من سكانها تدريجيًا.
المشروع يفتح الطريق نحو سيطرة سعودية فعلية على جيوب اقتصادية وعشائرية داخل العراق، مما قد يُمهد مستقبلاً لأي تحرك انفصالي أو مطالبات بضم.
خامسًا: مقارنة مع اتفاقيات استثمار دولية أخرى
الدولة// مدة الاستثمار// ملكية الأرباح// العمالة الأجنبية// شروط إنهاء العقد
الأردن والسعودية //25 عامًا //تقاسم الأرباح بنسبة 60:40 //جزئية (50%) قابلة للفسخ بعد 10 سنوات..
إثيوبيا والسعودية// 60 عامًا// أرباح كاملة للسعودية //سعودية بالكامل// لا شروط واضحة..
العراق - السعودية (المقترح) 50 عامًا //أرباح كاملة للمستثمر أجنبي + عوائلهم// لا يحق للعراق التدخل.
سادسًا: الرفض الشعبي والقانوني
في 2021، تم إجهاض المشروع بعد مظاهرات غاضبة في محافظات الوسط والجنوب، وبيانات من النقابات الزراعية ومنظمات المجتمع المدني تحذر من بيع الأرض للأجانب.
المادة (111) من الدستور العراقي تنص على أن "النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي"، مما يتعارض مع بنود القانون الجديد.
المادة (112) توجب إدارة الثروات الطبيعية بالتعاون بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات المنتجة، وهو ما لا يحصل فعليًا في هذا المشروع.
سابعًا: الخاتمة والتوصيات
ما يتم ترويجه على أنه مشروع اقتصادي ضخم، يخفي بين طياته تداعيات جيوسياسية وديموغرافية خطيرة، تمس السيادة الوطنية، وتفتح الباب لتغلغل سعودي قد لا يكون مؤقتًا، بل استراتيجيًا طويل الأمد.
التوصيات:
1. دعوة مجلس النواب العراقي لرفض المشروع في صيغته الحالية، ومطالبة الحكومة بكشف التفاصيل الكاملة.
2. مطالبة المحكمة الاتحادية بدراسة المشروع من زاوية انتهاك السيادة ومخالفة الدستور.
3. إطلاق حملة شعبية وإعلامية للتوعية بخطورة المشروع، وإعادة النظر في شكل وآليات الاستثمار الأجنبي في العراق.
4. تشكيل لجنة وطنية مستقلة لمراجعة عقود الاستثمار الأجنبي، خصوصًا في المناطق ذات الأهمية الجغرافية والثروات.
