أحدث الاخبار

قراءة في كتاب .. حفلة عند خط الأستواء. مذكرات وقصص من الواقع .. للصحفي والكاتب كمال الحجامي.

ااا
0

كنا / عادل شهاب الأسدي  



عن مؤسسة البصرة للطباعة والنشر أصدر الصحفي والكاتب كمال الحجامي كتابه الأول بعنوان / حفلة عند خط الاستواء .. مذكرات وقصص من الواقع /  تصميم التشكيلي عبد الحكيم البصري، احتوى الكتاب على تسعٍ وعشرين مادةٍ تنوعت بين القصة القصيرة والأستذكار بواقع مئةٍ وثمانِ صفحاتٍ من القطع المتوسط ..


يمثل العنوان صورة مصغرة يحمل بداخله بقية العناوين التي يختارها الكاتب ومن خلالها يستمد طاقته السردية التي تتواري خلف جدلية  العنوان ، وقد اختار الحجامي لكتابه عنوانين متناقضين متجاذبين في آن واحد ، الأول فيه من الإثارة والدلالات الإستفهامية (  حفلة عند خط الأستواء ) فيما جاء الثاني تحت عنوان ( مذكرات وقصص من الواقع ) وهو عنوان تقليدي يتمثل بعملية رصد وتدوين لقطات ومشاهدات وأحداث عاشها الكاتب بواقعية ملموسة..


الشمس تغيب عن محيا الأطفال ..


قصة وفاء ص 8 : "  تعودتُ كل ليلةٍ أمشي قليلا لمدة نصف ساعة ثم أعود . وفي طريقي كنت أشاهد  طفلة تتعدى السابعة من العمر، كانت تلعب تحت أحد أعمدة الإضاءة المعلقة على سياج أحدى البيوت. لفتت انتباهي لشكلها وملابسها، وكانت تلبس ثوباً ممزقاً وحذاءً بالياً . شعرها طويلا وعيناها نرجسيتان . سألتها يوماً عن أبيها فقالت : كان ابي يعمل سائقا في إحدى الدوائر  وتوفى  بحادثٍ مروري ." 

يرسم لنا الكاتب صورةً متداخلة ما بين إنسانية ومعنوية موظفاً الفكرة التي تتضمنها الصورة المعبرة  عن واقعٍ مؤلمٍ في عمليةٍ مكثفةٍ لجأ اليها لينفذ إلى عقل ووجدان المتلقي .. نقرأ : " وكنت كلما مررت  أستوقفها لأتكلم معها ، سألتها: ماذا ترغبين؟.. قالت : كل يوم صباحاً أخرج إلى نهاية الشارع لأشاهد الطالبات وهنَّ يلبسنَ زيهنَّ الموحد ويدخلنَّ إلى المدرسة اتمنى أن أذهب معهن لأتعلم القراءة والكتابة. . لا أعلم حتى الآن، وكنتُ كلما مررت بهذا الشارع أحضر لها شيئاً معي ، حذاء .ملابس . العاب عصائر . ، ذات يوم طلبت مني أن أجلبَ لها معي قماشاً وأدوات خياطة .. قالت لي: أريد أن تعلمني كيف أكتب كلمة (عراق ) ذهبتُ بعيداً ولا أعلم ما سر انجذابي لهذه الطفلةُ  الصغيرة، قد يكون ظروفها الصعبة ، أو ربما عيناها اللتان ان تشيان بالبراءة والانكسار ، أحضرت لها ما  أرادت، نظرتُ لها نظرة استغراب وأشرتُ لها أن نجلس وبدأتُ أخطُ لها على الأرض كلمة ( عراق ).."

 

هنا تتجلى أمنية وفاء ورغبتها الشديدة في رسم كلمة عراق بحسٍ  فطري أستحوذ مخيلتها وكدلالة اعتراضية تعود ضمناً الى رغبة الكاتب في نقل المشاعر والاحاسيس من واقع ضيقٍ الى واقع اجتماعي سياسي حياتي أعم. 


يحصل للكاتب ظرفٍ طارئٍ يستدعيه السفر بشكل مفاجأ لمدة أسبوعين، لم يستطع حتى توديعها ثم يعود على أمل أن يراها : " كنت أعلم أنها تنتظرني كل ليلة، وبعد عودتي لم أشتق لشيء في مدينتي أكثر  من شوقي لوفاء.." 

وحال عودته يتوجه الى الغرفة الخشبية التي تسكن فيها وفاء وعائلتها ، وبعد أن مكث خمسة أيامٍ يحضر فيها كل ليلة  لرؤيتها ولكن دون جدوى، ثم يستجمع قواه ويطرق الباب للسؤال عنها فيخرج أخوها ثم تتبعهُ أمها : " وفي اندهاش وحيرة عندما شاهدتني  أمها قالت لي : "  وصفتكَ وفاء كما أنتَ تماماً ثم أجهشت بالبكاء، علمت أن شيئا قد حصل.." 

وتخبره أن وفاء قد فارقت الحياة بسبب وعكة صحية مفاجأة تجهل أسبابها وقد ذهبت بها الى  أقرب مركزٍ صحي لتلقي العلاج إلا أن العلاج  لم يكن متوفرا في المركز وعليها أن تقوم بشراءه من الخارج ولم يكن بمقدورها شراء الدواء لانها لا تملك ثمنه ما أدى الى ارتفاع شديد في حرارتها لم تستطع أمها ان تقدم  ما ينقذ ابنتها  ففارقت الحياة على الفور .ثم  أجهشت  في البكاء : لقد ماتت وفاء .  ماتت فلذة كبدي ..ماتت وفاء .. لا أعلم لماذا خانتني دموعي حينها !  لا ادري كيف أصف شعوري  لم أعد إلى بيتي بل أخذتُ أذرَعُ الشارع ذهاباً وأياباً وفجأة تذكرت الشيئ الذي أعطتني إياه أم وفاء. فتحته فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة الشكل وقد نُقشَت عليها بشكلٍ رائعٍ  كلمة ( عراق) أمتزجت بقطرات دمٍ متخثر .. " .


اعتمد الكاتب الحجامي على رسم صورةٍ بَصَريةٍ  ووصفية للطفلة وفاء مع دلالة العلاقة الإنسانية والحسية وواقعية الحياة وظروفها  القاهرة وتجلياتها التي تقف حائلا دون  الحياة فتقع فريسة .. العوز .. الموت.. مع إنحسار مظاهر المعيشة ما جعل النص منفتحا على تأويلات وقراءات متعددة / قصة وفاء ص 8 .


نتابع قصة .. ( انه خاج السرب  ص13) :" وحده مع القنابل والرصاص والدبابات والطائرات التي احبها، شعرٌ قصير ، ملابس عسكرية، أشجار ما زالت تحترق. قال أحدهم : " من أين أنت؟. وجهك جديد هنا ، وجهك ليس غريبا رغم إننا لم نرك معنا في البداية. لماذا انت ساكت ؟.. في هذا الجو الملتهب.. لماذا !..  لكنه كان حتما خارج السرب ، الرصاص يتصاهد في السماء .." .. 


في هذا النص الحواري القصير يبحث فيه الكاتب عن مضمونٍ  مباشرٍ أو كشاهد على تطوير الحدث وتحويله لواقع تصويري للصراع ( الحرب... البطولة )  ويلتمس حالة من الترقب، بانتظار ما ستؤول له المواجهة وسط دوي المدافع والدوشكات وأزيز الطائرات..


من هنا نرى أن الكاتب لا يعتمد  المرآت التعبيرية بقدر مراقبته الدقيقة لقضايا الحدث المشحون بالموت ( الشهادة ) 

..

نقرأ هذا الحوار : " في اليوم التالي أذاع الراديو بلغة بسيطة... ان تضحياتنا بالأرواح كانت خمسة شهداء، بينما أضاف أحد المقاتلين بصوت هادئ ووقور ، كان مع احد الشهداء دفتر مذكرات صغير يكتب فيه.. هذا هو الخروج الاول له من دائرة السرب التي تحطمت الى الأبد، ولم يكتب في التقرير اليومي سوى  كلمة ( شهيد عراق. ) " 

قصة / انه خارج السرب ص 13/ .

لقد اخترنا نصين سرديين لقصتين قصيرتين ترجم لنا الكاتب من خلالها الدلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانسانية مجتمعة مع التأكيد على أحساس الفرد بحقيقة وجوده وأهمية دوره في الحياة.. 


2 - 

مذكرات وقصص كُتبت بنكهةٓ صحفية ..


دون الكاتب الحجامي مذكراته واستذكاراته من خلال  مواقف ومصادفات ومشاهدات لكل ما مر به كُتِبت معظمها بأسلوب التقرير الصُحفي  أو على شكل أقصوصة صحفية استنسخت من الواقع الذي عاشه حينما كان يعمل بحاراً على متن سفن لصيد الأ سماك 

، فهو أحد خريجي أكاديمية الخليج العربي للدرسات  البحرية. تلك السفن التي كانت تمخر عباب البحار والمحيطات في  رحلات سندبادية محفوفة بالمخاطر والاهوال يصارع بحارتها الأعاصير والأمواج المتلاطمة  .. 

سفن ما تلبث أن ترسو في ميناءٍ حتى تغادره  إلى موانئ دول اخرى.

في قصة .. ( بعيدا عن السواحل الأفريقية ص85) نقرأ : " لم نعد نرى سواحل وجزرا في مدار المميط الاطلسي في مياهه المتلاطمة الأمواج وعواصفه الهوجاء. محيطا شاسعا أزرقا كزرقة السماء تتلألأ مياهه صافية براقة لا نرى من حولنا سوى سفن صيد وناقلاتِ نفطٍ كبيرة عملاقة  بعيدة عن مناطق صيدنا نرى الدلافين وكلاب البحر وهي تغوص وتظهر على سطح الماء في تناسق رائع.." ..

 يرسم لنا الكاتب كمال  الحجامي لوحةٍ زاهية الألوان يؤطرها بمخيلتهِ  الخصبة وعينه الفاحصة  بريشة فنان ماهر.  

يسوق لنا أبيات من الشعر  من قصيدة ( بحور وطلاسم)  لشاعر الطبيعة  المرحوم .  

إيليا أبي ماضي يقول فيها . 


قد سألت البحر يوما..

هل أنا يا بحر  منكَ 

هل  صحيح ما رواهُ .. 

بعضهم عني   وعنكَ 

أم ترى  ما زعموا ...

زوراً وبهتاناً  وأفكا 

ضحكت أمواجه مني وقالت : لستُ أدري .. 

ويستسلم الكاتب لما يخبئه له المجهول  عبر زمان ومكان لا يعرف ما سيؤول إليه مصيره في عرض بحار ومحيطات مترامية الافق عميقة الظلمات ، إلا أنه بيقى حبيس في قمقم الأقدار والمفاجآت . 

ويجيب الكاتب على تساؤلات الشاعر قائلا : " وأنا كذلك لست أدري ما يضمره هذا المحيط الكبير المتلاطم وما تزخر في أعماقه  من دررٍ كامنة. ". . 


الكاتب في سطور . 

كمال مزهر الحجامي .مواليد 1959 

خريج أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية .

عضو نقابة الصحفيين العراقيين 

عمل محررا في أكثر الصحف المحلية ..كتب ونشر في معظم العراقية . 

حصل على شهادات وكتب تقدير من مؤسسات إعلامية حكومية من داخل العراق وخارجه .. 

كتب فلمين ( وفاء ) فلم قصير وآخر بعنوان ( الشريط الاحمر ) 

اصداره القادم ( صفحات من الذاكرة ) ..


 


 

 


 قراءة في كتاب .. حفلة عند خط الأستواء. 

مذكرات وقصص من الواقع ..

للصحفي والكاتب كمال الحجامي.


عادل شهاب الأسدي  


عن مؤسسة البصرة للطباعة والنشر أصدر الصحفي والكاتب كمال الحجامي كتابه الأول بعنوان / حفلة عند خط الاستواء .. مذكرات وقصص من الواقع /  تصميم التشكيلي عبد الحكيم البصري، احتوى الكتاب على تسعٍ وعشرين مادةٍ تنوعت بين القصة القصيرة والأستذكار بواقع مئةٍ وثمانِ صفحاتٍ من القطع المتوسط ..


يمثل العنوان صورة مصغرة يحمل بداخله بقية العناوين التي يختارها الكاتب ومن خلالها يستمد طاقته السردية التي تتواري خلف جدلية  العنوان ، وقد اختار الحجامي لكتابه عنوانين متناقضين متجاذبين في آن واحد ، الأول فيه من الإثارة والدلالات الإستفهامية (  حفلة عند خط الأستواء ) فيما جاء الثاني تحت عنوان ( مذكرات وقصص من الواقع ) وهو عنوان تقليدي يتمثل بعملية رصد وتدوين لقطات ومشاهدات وأحداث عاشها الكاتب بواقعية ملموسة..


الشمس تغيب عن محيا الأطفال ..


قصة وفاء ص 8 : "  تعودتُ كل ليلةٍ أمشي قليلا لمدة نصف ساعة ثم أعود . وفي طريقي كنت أشاهد  طفلة تتعدى السابعة من العمر، كانت تلعب تحت أحد أعمدة الإضاءة المعلقة على سياج أحدى البيوت. لفتت انتباهي لشكلها وملابسها، وكانت تلبس ثوباً ممزقاً وحذاءً بالياً . شعرها طويلا وعيناها نرجسيتان . سألتها يوماً عن أبيها فقالت : كان ابي يعمل سائقا في إحدى الدوائر  وتوفى  بحادثٍ مروري ." 

يرسم لنا الكاتب صورةً متداخلة ما بين إنسانية ومعنوية موظفاً الفكرة التي تتضمنها الصورة المعبرة  عن واقعٍ مؤلمٍ في عمليةٍ مكثفةٍ لجأ اليها لينفذ إلى عقل ووجدان المتلقي .. نقرأ : " وكنت كلما مررت  أستوقفها لأتكلم معها ، سألتها: ماذا ترغبين؟.. قالت : كل يوم صباحاً أخرج إلى نهاية الشارع لأشاهد الطالبات وهنَّ يلبسنَ زيهنَّ الموحد ويدخلنَّ إلى المدرسة اتمنى أن أذهب معهن لأتعلم القراءة والكتابة. . لا أعلم حتى الآن، وكنتُ كلما مررت بهذا الشارع أحضر لها شيئاً معي ، حذاء .ملابس . العاب عصائر . ، ذات يوم طلبت مني أن أجلبَ لها معي قماشاً وأدوات خياطة .. قالت لي: أريد أن تعلمني كيف أكتب كلمة (عراق ) ذهبتُ بعيداً ولا أعلم ما سر انجذابي لهذه الطفلةُ  الصغيرة، قد يكون ظروفها الصعبة ، أو ربما عيناها اللتان ان تشيان بالبراءة والانكسار ، أحضرت لها ما  أرادت، نظرتُ لها نظرة استغراب وأشرتُ لها أن نجلس وبدأتُ أخطُ لها على الأرض كلمة ( عراق ).."

 

هنا تتجلى أمنية وفاء ورغبتها الشديدة في رسم كلمة عراق بحسٍ  فطري أستحوذ مخيلتها وكدلالة اعتراضية تعود ضمناً الى رغبة الكاتب في نقل المشاعر والاحاسيس من واقع ضيقٍ الى واقع اجتماعي سياسي حياتي أعم. 


يحصل للكاتب ظرفٍ طارئٍ يستدعيه السفر بشكل مفاجأ لمدة أسبوعين، لم يستطع حتى توديعها ثم يعود على أمل أن يراها : " كنت أعلم أنها تنتظرني كل ليلة، وبعد عودتي لم أشتق لشيء في مدينتي أكثر  من شوقي لوفاء.." 

وحال عودته يتوجه الى الغرفة الخشبية التي تسكن فيها وفاء وعائلتها ، وبعد أن مكث خمسة أيامٍ يحضر فيها كل ليلة  لرؤيتها ولكن دون جدوى، ثم يستجمع قواه ويطرق الباب للسؤال عنها فيخرج أخوها ثم تتبعهُ أمها : " وفي اندهاش وحيرة عندما شاهدتني  أمها قالت لي : "  وصفتكَ وفاء كما أنتَ تماماً ثم أجهشت بالبكاء، علمت أن شيئا قد حصل.." 

وتخبره أن وفاء قد فارقت الحياة بسبب وعكة صحية مفاجأة تجهل أسبابها وقد ذهبت بها الى  أقرب مركزٍ صحي لتلقي العلاج إلا أن العلاج  لم يكن متوفرا في المركز وعليها أن تقوم بشراءه من الخارج ولم يكن بمقدورها شراء الدواء لانها لا تملك ثمنه ما أدى الى ارتفاع شديد في حرارتها لم تستطع أمها ان تقدم  ما ينقذ ابنتها  ففارقت الحياة على الفور .ثم  أجهشت  في البكاء : لقد ماتت وفاء .  ماتت فلذة كبدي ..ماتت وفاء .. لا أعلم لماذا خانتني دموعي حينها !  لا ادري كيف أصف شعوري  لم أعد إلى بيتي بل أخذتُ أذرَعُ الشارع ذهاباً وأياباً وفجأة تذكرت الشيئ الذي أعطتني إياه أم وفاء. فتحته فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة الشكل وقد نُقشَت عليها بشكلٍ رائعٍ  كلمة ( عراق) أمتزجت بقطرات دمٍ متخثر .. " .


اعتمد الكاتب الحجامي على رسم صورةٍ بَصَريةٍ  ووصفية للطفلة وفاء مع دلالة العلاقة الإنسانية والحسية وواقعية الحياة وظروفها  القاهرة وتجلياتها التي تقف حائلا دون  الحياة فتقع فريسة .. العوز .. الموت.. مع إنحسار مظاهر المعيشة ما جعل النص منفتحا على تأويلات وقراءات متعددة / قصة وفاء ص 8 .


نتابع قصة .. ( انه خاج السرب  ص13) :" وحده مع القنابل والرصاص والدبابات والطائرات التي احبها، شعرٌ قصير ، ملابس عسكرية، أشجار ما زالت تحترق. قال أحدهم : " من أين أنت؟. وجهك جديد هنا ، وجهك ليس غريبا رغم إننا لم نرك معنا في البداية. لماذا انت ساكت ؟.. في هذا الجو الملتهب.. لماذا !..  لكنه كان حتما خارج السرب ، الرصاص يتصاهد في السماء .." .. 


في هذا النص الحواري القصير يبحث فيه الكاتب عن مضمونٍ  مباشرٍ أو كشاهد على تطوير الحدث وتحويله لواقع تصويري للصراع ( الحرب... البطولة )  ويلتمس حالة من الترقب، بانتظار ما ستؤول له المواجهة وسط دوي المدافع والدوشكات وأزيز الطائرات..


من هنا نرى أن الكاتب لا يعتمد  المرآت التعبيرية بقدر مراقبته الدقيقة لقضايا الحدث المشحون بالموت ( الشهادة ) 

..

نقرأ هذا الحوار : " في اليوم التالي أذاع الراديو بلغة بسيطة... ان تضحياتنا بالأرواح كانت خمسة شهداء، بينما أضاف أحد المقاتلين بصوت هادئ ووقور ، كان مع احد الشهداء دفتر مذكرات صغير يكتب فيه.. هذا هو الخروج الاول له من دائرة السرب التي تحطمت الى الأبد، ولم يكتب في التقرير اليومي سوى  كلمة ( شهيد عراق. ) " 

قصة / انه خارج السرب ص 13/ .

لقد اخترنا نصين سرديين لقصتين قصيرتين ترجم لنا الكاتب من خلالها الدلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانسانية مجتمعة مع التأكيد على أحساس الفرد بحقيقة وجوده وأهمية دوره في الحياة.. 


2 - 

مذكرات وقصص كُتبت بنكهةٓ صحفية ..


دون الكاتب الحجامي مذكراته واستذكاراته من خلال  مواقف ومصادفات ومشاهدات لكل ما مر به كُتِبت معظمها بأسلوب التقرير الصُحفي  أو على شكل أقصوصة صحفية استنسخت من الواقع الذي عاشه حينما كان يعمل بحاراً على متن سفن لصيد الأ سماك 

، فهو أحد خريجي أكاديمية الخليج العربي للدرسات  البحرية. تلك السفن التي كانت تمخر عباب البحار والمحيطات في  رحلات سندبادية محفوفة بالمخاطر والاهوال يصارع بحارتها الأعاصير والأمواج المتلاطمة  .. 

سفن ما تلبث أن ترسو في ميناءٍ حتى تغادره  إلى موانئ دول اخرى.

في قصة .. ( بعيدا عن السواحل الأفريقية ص85) نقرأ : " لم نعد نرى سواحل وجزرا في مدار المميط الاطلسي في مياهه المتلاطمة الأمواج وعواصفه الهوجاء. محيطا شاسعا أزرقا كزرقة السماء تتلألأ مياهه صافية براقة لا نرى من حولنا سوى سفن صيد وناقلاتِ نفطٍ كبيرة عملاقة  بعيدة عن مناطق صيدنا نرى الدلافين وكلاب البحر وهي تغوص وتظهر على سطح الماء في تناسق رائع.." ..

 يرسم لنا الكاتب كمال  الحجامي لوحةٍ زاهية الألوان يؤطرها بمخيلتهِ  الخصبة وعينه الفاحصة  بريشة فنان ماهر.  

يسوق لنا أبيات من الشعر  من قصيدة ( بحور وطلاسم)  لشاعر الطبيعة  المرحوم .  

إيليا أبي ماضي يقول فيها . 


قد سألت البحر يوما..

هل أنا يا بحر  منكَ 

هل  صحيح ما رواهُ .. 

بعضهم عني   وعنكَ 

أم ترى  ما زعموا ...

زوراً وبهتاناً  وأفكا 

ضحكت أمواجه مني وقالت : لستُ أدري .. 

ويستسلم الكاتب لما يخبئه له المجهول  عبر زمان ومكان لا يعرف ما سيؤول إليه مصيره في عرض بحار ومحيطات مترامية الافق عميقة الظلمات ، إلا أنه بيقى حبيس في قمقم الأقدار والمفاجآت . 

ويجيب الكاتب على تساؤلات الشاعر قائلا : " وأنا كذلك لست أدري ما يضمره هذا المحيط الكبير المتلاطم وما تزخر في أعماقه  من دررٍ كامنة. ". . 


الكاتب في سطور . 

كمال مزهر الحجامي .مواليد 1959 

خريج أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية .

عضو نقابة الصحفيين العراقيين 

عمل محررا في أكثر الصحف المحلية ..كتب ونشر في معظم العراقية . 

حصل على شهادات وكتب تقدير من مؤسسات إعلامية حكومية من داخل العراق وخارجه .. 

كتب فلمين ( وفاء ) فلم قصير وآخر بعنوان ( الشريط الاحمر ) 

اصداره القادم ( صفحات من الذاكرة ) ..


 


 

 


 

 

 

   



 

 

   



إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

 


 


 


#buttons=(Accept !) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. اعرف المزيد
Accept !