أحدث الاخبار

المواطن المريض بين مطرقة الطبيب وسندان الصيدلية

ااا
0

 كنا / عادل شهاب الأسدي


كنت قد كتبت في عام 2008 قصة صحفية تناولت فيها موضوع الوصفة الطبية المشفرة وهو نوع أو حالة من التعامل  يقدم على كتابتها بعض الأطباء ضعاف النفوس يتمثل باتفاق مبرم بين الطبيب وصاحب الصيدلية المتفق عليها وغالبا ما تكون الصيدلية المقصودة عائدة للطبيب ذاته ذلك لدفع  المواطن المريض شراء الدواء من الصيدلية التي يستطيع الصيدلاني المعتمد لدى الطبيب التعرف على خط الطبيب ونوع الدواء المطلوب حيث لا يمكن لأي صيدلي أخر فك طلاسمها سوى الصيدلية المعنية سوى الصيدلية المعنية التي يوجه الطبيب المريض إليها, وهذا سلوك منافٍ لأخلاق المهنة . وأنا أول من تنبه لمثل هذه الحالة وذلك عن تجربة قمت بها شخصيا , ما دفعني للكتابة عنها وتسليط الضوء عليها.. 

نورد هذه المقدمة لنربط ما نحن بصدده من موضوع  ذي صلة بالحالة التي أشرنا إليها في مقدمة استطلاعنا لما له من تأثير سلبي على المواطن كونه المتضرر الوحيد من هكذا سلوك يأسف عليه والذي لا يمت  للإنسانية أو الضمير بصلة. ألا وهو الجشع الذي يمارسه (بعض) أصحاب الصيدليات اتجاه المواطن المريض حيث يفاجأ بعد خروجه من عيادة الطبيب والتوجه إلى أقرب صيدلية أن سعر الدواء الذي اشتراه كان ثمنه أكثر مما هو متوقع ما يجعل المريض في حالة صدمة أمام جشع الصيدلاني رغم متابعة الجهات المعنية بهذا الخصوص وفي مقدمتها نقابة الصيادلة في البصرة ونحن هنا (لا  نعمم ) الحالة أو الظاهرة على الجميع لأن  هناك أصحاب صيدليات لهم وقفة (إنسانية) في تعاملهم مع المواطن المريض. 

# آراء المواطنين ..

 نستعرض هنا ومن خلال هذا الاستطلاع الصحفي بعض المواقف والحالات التي واجهها مواطنون  مرضى مع بعض أصحاب الصيدليات.  

يورد أبو محمد معلم متقاعد حكايته قائلا : "  تعثرت قدماي وسقطت على أحدى ركبتي , اضطررت لمراجعة أحد الأطباء المختصين في منطقة بريهه حيث وجود المجمعات الطبية هناك , وبعد عملية الفحص كتب لي الطبيب إبرتين ذهبت بالوصفة إلى اقرب صيدلية وكانت المفاجئة ! بعد ما حدد لي الصيدلاني السعر قائلا : " 250  ألف دينار فقلت له بصوت متعثر هذا كثير فأجابني بكل برود هذا هو السعر(عيني)! أخرجت نقودي وعلى مضض أعطيته المبلغ المطلوب وأنا أتفحص ما تبقى من راتبي التقاعدي. بعد أجرة الطبيب والسونار والدواء. لم يكن أبو محمد مقتنعا بسعر الإبرتين اللتين باعهما الصيدلاني له , ولكي يقطع الشك باليقين ذهب بها  بعد مرور يومين إلى صيدلية أخرى للتأكد من صحة سعرها وبعد عرضها وجد أن سعرها لا يتجاوز ال 200 ألف أي بزيادة 50 ألف على المقرر مع الفائدة احتسبها الصيدلاني الأول " وهو يتساءل عن سر هذا الاختلاف  .. 

أما أبو أمين متقاعد ناهز الستين عاما له موقف آخر حيث قال" توجهت إلى أحد الأطباء المختصين بأمراض الكلى في منطقة العباسية وعند دخولي عيادة الطبيب لفت انتباهي قطعة علقت على باب العيادة كتب عليها (المريض حر بشراء الدواء من أي صيدلية) وكأنه يريد أن ينبه إلى حالة موجودة أو متداولة لدى بعض الأطباء ألا وهي توجيه المريض إلى صيدلية معينة لشراء الدواء !!. ويتابع أبو أمين قوله " بعد أجراء الفحص كتب لي الطبيب وصفة الدواء فذهبت بها إلى اقرب صيدلية وكانت ضمن ملحقات العمارة, أعطيت الراجيته ( الوصفة) إلى الصيدلانية. عرضت الدواء على الحاسوب ليقرأ سعره , وفي غمرة انشغالها قالت لي" 41 ألف دينار وبين الحيرة والرضوخ أخرجت كل ما في جيبي وكان 40  ألف فقط قلت لها هذا كل ما لدي فردت لا بأس وهي متفضلة لأنها سامحتني ب 1000 دينار جزاها الله خير!!. 

يواصل أبو أمين حديثه " في اليوم التالي عرضت نفس الدواء على صيدلية أخرى إذ لم أكن مقتنعا بسعره فكانت المفاجأة أن سعر الدواء بعشرين ألف فقط وتساءلت لماذا باعني الصيدلاني الأول الدواء بسعر مضاعف وها أنا أجده في صيدلية ثانية بنصف الثمن ما جعلني اعتقد بأن الأول جشع ولا يراعي الجانب الإنساني للمواطن المريض وغير ملتزم بالتسعيرة أما الثاني فهو صاحب ضمير وملتزم بالتسعيرة ..

 وفي زحمة ما التقينا بهم في عيادات الأطباء والصيادلة امرأة ناهزت الخمسين من عمرها بدا عليها الإعياء وكانت تحمل بيدها كيسا فيه أدوية سألتها ممن تشكو وكم كلفتها الوصفة الدوائية فأجابت".. أعاني من آلام مزمنة في العمود الفقري وقد وصف لي الطبيب مجموعة من الأدوية عرضتها على هذا الصيدلي وأشارت بيدها  إلى صيدلية تقع خلفنا , وكان ثمنها كبيرا بالنسبة لي لا اقدر على دفعه لضعف حالتي وبعد أن علم الصيدلاني بوضعي المادي أمتنع عن أخذ ثمن الدواء كاملا واكتفى بنصف ثمنه ! جزاه الله خير, قالت هذا والدموع تترقرق في عينيها !.. كان عملا إنسانيا بحق قام به الصيدلاني الشاب اتجاه هذه السيدة بعد أن عرف ضعف حالها .. ما دفعني للتوجه نحوه لأقدم له الشكر لقاء نبله . لا شك أن هناك الكثير من أصحاب الصيدليات يراعون الجانب المادي للمواطن المريض ما يعكس تربيتهم وحسن خلقهم .. يقول صاحب المثل ( لو خليت قلبت ) .. 

عينات كثيرة من المرضى استطلعنا آرائهم حول أسعار الأدوية التي يتفاوت سعرها من صيدلية لأخرى فتباينت الردود والقناعات.. 

# رأي أصحاب الصيدليات 

ولكي نقف على حقيقة ما يجري من ارتفاع واختلاف في أسعار الأدوية بين صيدلية وأخرى حملنا شكوى وامتعاض المواطن المريض إلى بعض أصحاب الصيدليات لنتعرف عن كثب من أصحاب الشأن أنفسهم ".. الدكتور مهند الربيعي شاب صيدلاني تخرج حديثا من كلية الصيدلة إلا أنه يبدو ذا خبرة واسعة يعمل في صيدلية ..؟.. قال".. لا نستبعد من أن بعض أصحاب الصيدليات يعمدون إلى رفع سعر الدواء مستغلا حاجة المريض له سيما وان المريض لا يعرف سعر تكلفة الدواء لذا يقع فريسة ذلك الاستغلال وهذا لا ينطبق على جميع أصحاب الصيدليات.

 فيما تحدثت لنا صيدلانية  تعمل في إحدى الصيدليات في منطقة العشار والتي لم تفصح عن اسمها قائلة : " تجارة الدواء هو صنف كبقية صنوف  أية تجارة أخرى أي أن هناك شركات متخصصة  لاستيراد الأدوية من مناشئ متعددة وحسب نوع الدواء والشركات المصنعة والدول المنتجة له وهذا بحد ذاته يفرض تسعيرة تختلف بين منشئ وآخر وهو أمر بديهي وهذا الاختلاف والتفاوت يولد انطباعا سلبيا لدى لمواطن المريض معتقدا أن بعض  الصيدليات تبيع الدواء بأسعار عالية وهو لاشك اعتقاد خاطئ ..

 وأكدت الدكتورة الصيدلانية من أن دائرة صحة البصرة فرضت تسعيرة محددة على أصناف الأدوية الموجودة لدى الصيدليات من خلال ختم أو علامة مثبته تأشر القيمة الشرائية للدواء الموجود في جميع الصيدليات فضلا عن المتابعة جادة والفاعلة من قبل نقابة الصيادلة في البصرة بخصوص التسعيرة لذا لا يمكن للصيدلي التلاعب بأسعار الدواء المطلوب. 

التقينا بشريحة من المواطنين نستطلع أرائهم فيما يخص التباين في أسعار الأدوية بين صيدلية وأخرى 

الأديب والمترجم الصحفي  محمد سهيل أحمد "..

# الحل الأمثل هو تدخل الدولة والمتابعة  

 الصارمة لكل أشكال الاستغلال 

".. ارتبطت ظاهرة ارتفاع أسعار الدواء أو تذبذبه واختلافه من صيدلية إلى أخرى , بتفشي الأمراض وتنوعها في آن معا , ترى ما أسباب هذا التدهور الطبي الذي نشهده بدءا من أجور الأطباء الباهظة وليس انتهاء بأسعار الأدوية التي يكتبها الأطباء؟  فيذهب المواطن المريض للصيدلية من اجل أن يصرفها ليكتشف ارتفاع أسعارها بشكل جنوني حيث يجد نفسه عاجزا عن شراء هذا الدواء أو ذاك . لم تكن هذه الظاهرة موجودة في العهود السابقة لأكثر من سبب فقد هيمن التوجه الاقتصادي للبلد نحو مبدأ الخصخصة بمعنى أن الكفة هي الراجحة بالنسبة للقطاع الخاص , في الوقت الذي تراجع أداء المعامل الحكومية إلى حد كبير. 

هذا الواقع الطبي المفرغ يثير أكثر من سؤال إذ أن الخصخصة أعطت الضوء الأخضر لتكتلات وشركات أصبح همها الأول والأخير هو الأرباح المادية الخرافية . كما أن الكثير من الأطباء انغمسوا في مجارات هذه الظاهرة وذلك عن طريق الاتفاق بين صيدلية مجاورة والمعالج. الحل الأمثل هو تدخل الدولة بقوة لإنقاذ المواطن المسكين ذي الدخل المحدود من تفاقم هذه الظاهرة اللا إنسانية وذلك عن طريق المراقبة الحازمة والمتابعة الصارمة لكل أشكال الاستغلال . 

# الشاعر والإعلامي  كاظم الزهيري "

حينما يطغى الجانب المادي ..

يصبح المريض هدفا ماديا والدواء سلعة مربحة ..

من خلال قراءاتنا ومتابعاتنا المتواصلة نعلم جميعا ان مهنة الطب هي رسالة رحمة وخدمة إنسانية , هدفها تقديم الخدمات الطبية للناس لكن حينما يطغى الجانب المادي على الضمير المهني , يصبح المريض هدفا ماديا والدواء سلعة مربحة , وتتحول العيادات والمستشفيات الأهلية إلى أسواق تجارية تتنافس على زيادة الأموال وهنا تفقد هدفها الإنساني الذي وجدت عليه منذ وجود الخليقة وللأسف أقولها أن بعضا من الأطباء والصيادلة  همهم الوحيد هو جني الأموال بأي طريقة كانت وليذهب الفقراء إلى الجحيم . أنا هنا أناشد الجهات المعنية أن تضع حدا لهكذا تجاوزات يكون ضحيتها المواطن البسيط.. 

#  نقابة الصيادلة :-

متابعة جادة وعقوبات بحق المخالفين 

 حملنا كل هذه التساؤلات والآراء فيما يخص الدواء والتسعيرة الدوائية التي تتفاوت أسعارها من صيدلية إلى أخرى لنضعها أما أنظار الدكتور الصيدلاني أحمد عبد الحسن القناص نقيب صيادلة البصرة , والذي استقبلنا مرحبا مبديا استعداده التام للرد عن أي استفسار أو سؤال يخص موضوعنا. وبعد أن طلبنا منه توضيحا لما يحصل أستهل القناص حديثه قائلا : "  في زمن النظام السابق أي ما قبل 2003  كانت وزارة الصحة تتبنى عملية توزيع الأدوية في عموم صيدليات العراق وهو السياق المتبع وقت ذاك مع تحديد الأسعار وإبلاغ أصحاب الصيدليات بضرورة الالتزام بتسعيرة الوزارة مع تشديد الرقابة التي تمنع  الصيدلاني من التلاعب بسعر الدواء ..

 وتابع الدكتور أحمد موضحا : " اليوم وبعد التغيير وما تبعها لعملية الانفتاح على العالم ودخول نظام الخصخصة جعل الكثير من الشركات الموردة للأدوية تتصدر المشهد وتدخل على الخط لتتبنى عملية استيراد الأدوية والتحكم بأسعارها من خلال فتح مكاتب لها في  العاصمة بغداد ما دفع بوزارة الصحة التعامل مع تلك المكاتب بشكل مباشر. 

وعن سؤالنا بماذا يفسر لنا الدكتور أحمد القناص هذا التفاوت والاختلاف في أسعار الأدوية من صيدلية لأخرى لتصل إلى ضعف السعر المقرر في بعض الأحيان ؟..

أجاب قائلا :" لا أعتقد أن الصيدلي يستطيع أن يبيع الدواء بسعر مضاعف هذا أمر مستبعد , ممكن أن يضيف الصيدلاني على سعر الدواء الف دينار.. ألفان  أو ثلاث في أقصى حد ولكن أن يبيعه بسعر مضاعف أشك في ذلك إلا في حالة واحدة هي أن  يكون فيها الدواء (مضروبا) أي منتهي الصلاحية أو ما شابه ذلك, وهي حالة نادرة الحدوث ونحن ننبه المواطن لمثل تلك الحالة, 

وتابع الدكتور أحمد القناص موضحا  : " قد لا يعلم المواطن ان تلك الأدوية تأتي من مناشئ عدة تختلف اسعارها تبعا للشركات المصنعة فمنها الرصينة والمعروفة على المستوى العالمي, عادة  ما تكون أسعارها عالية تختلف عن باقي المناشئ كونها تمتاز بالجودة علما ان الدواء هو نفسه ولكن بأختلاف المنشئ ذلك ما يجعل المواطن يتسائل عن السبب في فارق التكلفة.  

وأكد نقيب الصيادلة: " من أن النقابة تقوم بمتابعة جادة لجميع الصيدليات المنتشرة في عموم محافظة البصرة وها أنا أضع بين يديكم  كما ترون ما يقارب (28) أمرا إداريا  بحق أصحاب صيدليات صدرت بحقهم عقوبات مختلفة منها إدارية ومنها مهنية وصلت بعضها حد الغلق وذلك لمخالفتها الضوابط المعمول بها كما وأصدرنا مثلها سابقا وما زلنا نتابع بصورة مستمرة حرصا منا على مهنة الصيدلة التي تمثل الشريان الحيوي  لعملية توفير الأدوية للمواطن المريض بمضمونها المهني والإنساني أولا وسلامة صحة المواطن ثانيا , ومن هنا يتأتى حرصنا الدائم بهذا الجانب مع تشديد المراقبة وان حصلت حالة مخالفة في صيدلية ما لا يمكن تعميم الحالة كونه سلوك فردي من قبل الصيدلي , يمكن لنا معالجته من خلال التشديد  والمتابعة .. بهذا الكلام أنهى الدكتور القناص حديثه معنا... في الختام يبقى الضمير سيد المواقف والإنسانية تاج على رأس المهنة ..

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

 


 


 


#buttons=(Accept !) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. اعرف المزيد
Accept !