أحدث الاخبار

إيران والمهل الغربية: قراءة في خطاب قائد الثورة ومعالم استراتيجية الردع الشامل

ااا
0

كنا / عارف محمد


خطاب في عين العاصفة

في ذروة التوتر الإقليمي والدولي، أطلّ قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي بخطاب للشعب الإيراني ليؤكد أن الجمهورية الإسلامية “لن تستسلم” و “لن تتنازل”، محذرا من أن التجارب الماضية مع الغرب أثبتت أن “التفاوض تحت التهديد لا يجلب إلا الضرر”.

جاء الخطاب قبيل انتهاء المهلة الأوروبية (27 سبتمبر) وقبل نحو شهر من انتهاء الاتفاق النووي الشامل (18 أكتوبر)، ليضع إطارا لمقاربة جديدة قائمة على الصبر الاستراتيجي والردع المركب.

التماسك الشعبي: جوهر الردع

استعاد الإمام الخامنئي تجربة “الحرب الـ 12 يوما”، مشددا على أن وحدة الشعب الإيراني بمختلف أطيافه هي الدرع الأول ضد أي مؤامرة.

إلى الداخل، كانت الرسالة واضحة: تجاوز التحديات الاقتصادية والسياسية لا يتحقق إلا بالاعتماد على القدرات الذاتية والثبات الشعبي.

أما إلى الخارج: فإن محاولات الغرب “خلق الانقسام والاضطراب” ستصطدم بنسيج اجتماعي متماسك وإرادة صلبة أثبتت صمودها لعقود.

من التفاوض إلى تثبيت الإنجاز

الملف النووي والتخصيب، لم يعد ورقة مساومة بل إنجاز سيادي لا يقبل النقاش، إيران اليوم من بين عشر دول فقط تمتلك تقنية التخصيب، ورفع التخصيب إلى 60% جرى تقديمه كإنجاز يخدم حاجات البلاد في الطاقة والبحث العلمي.

قال القائد بوضوح: “هذا الإنجاز غير قابل للتراجع، ولن نفرّط به تحت أي ضغوط”.

بهذا، تحوّل البرنامج النووي من ملف تفاوضي إلى حقيقة راسخة، والجدل لم يعد حول “الحق في التخصيب”، بل حول كيفية تكيّف العالم مع إيران النووية السلمية.

دروس الماضي وأبعاد المستقبل

أعاد الخطاب التذكير بأن تجربة الاتفاق النووي الشامل (2015) كانت درسا قاسيا: إيران التزمت، لكن واشنطن انسحبت وفرضت المزيد من العقوبات.

ومن هنا جاء الموقف الحازم، ان أي تكرار لمسار مشابه “لا طائل منه” وسيضر بالبلاد كما أضرها من قبل.

الرسالة واضحة: المستقبل يبنى على القوة الذاتية والتحالفات الإقليمية، لا على وعود الغرب.

السياق الإقليمي والرمزية التاريخية

لم يكن توقيت الخطاب معزولا، فقد تزامن مع ذكرى استشهاد السيد حسن نصر الله ومع عملية “طوفان الأقصى”.

بهذا الربط، أكد السيد الخامنئي أن إيران جزء من معركة إقليمية أوسع، وأن أي عدوان عليها سيطلق تبعات تمتد من الخليج إلى المتوسط.

غزة ولبنان واليمن والعراق تشكّل اليوم شبكة ردع إقليمية تتكامل مع القدرات الإيرانية، بما يرفع كلفة أي مواجهة ويحوّل الردع الإيراني من محلي إلى إقليمي واسع.

بين 27 سبتمبر و18 أكتوبر: السيناريوهات المحتملة

دبلوماسيا: التمسك بالحقوق من دون العودة إلى مفاوضات غير متكافئة.

اقتصاديا: مواجهة العقوبات عبر تعميق التحالف مع بكين وموسكو وتفعيل “اقتصاد المقاومة”.

عسكريا: تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة كأدوات ردع أثبتت فعاليتها في ساحات المنطقة.

شبكة الردع الشامل

حدد الخطاب معالم استراتيجية تقوم على أربع ركائز متكاملة:

.١  ردع نووي سلمي: تثبيت الإنجاز النووي كمعطى نهائي.

.٢  ردع عسكري تقليدي: تطوير قدرات الصواريخ والمسيّرات.

.٣  ردع إقليمي: محور المقاومة كعمق استراتيجي.

.٤  ردع داخلي: التماسك الشعبي والإيمان كصمام أمان ضد الاختراق.

بهذه العناصر، ترسم إيران ملامح “مظلة ردع شاملة” تجمع بين الردع الصلب (العسكري) والردع الناعم (الاجتماعي والسياسي).

أخيرا: رسائل المرحلة الجديدة

إلى الغرب: الضغط لم يعد مجديا، وكلفته تتجاوز مكاسبه.

إلى الداخل: الصمود الوطني هو طريق النجاة.

إلى الإقليم: الردع لم يعد محليا، بل منظومة جماعية تتكامل فيها إيران مع حلفائها.

في المحصلة، الخطاب لم يكن مجرد موقف عابر، بل إعلان عن دخول إيران مرحلة جديدة من المواجهة، حيث الرهان ليس على التفاهمات مع الغرب، انما على قوة الذات والتحالفات الإقليمية في صراع طويل الأمد سيحدد مستقبل معادلات الشرق الأوسط.


إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

 


 


 


#buttons=(Accept !) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. اعرف المزيد
Accept !